نَكْبَة دِمَشْق
*******
ودمعٌ لا يُكَفكَف يا دِمَشْقُ   سلامٌ من صَبا بَرَدى أَرَقُّ  
جلالُ الرُّزْءِ عن وَصْفٍ يَدِقُّ   ومعذِرة اليَراعةِ والقوافي  
إليكِ تلفُّتٌ أَبداً وخَفْق   وذكرى عن خواطرِها لقلبي  
جراحاتٌ لها في القلب عُمْق   وبي مما رَمَتْكِ به الليالي  
ووجهُك ضاحكُ القسماتِ طَلْق   دخلتكِ والأصيلُ له ائتلاقٌ  
ومِلءُ رُباك أَوراقٌ ووُرْق   وتحتَ جِنانِك الأنهارُ تجري  
لهم في الفضلِ غاياتٌ وَسَبْق   وحولي فتيةٌ غُرٌ صِباحٌ  
وفي أَعطافِهم خُطباءُ شُدْق   على لهواتهم شعراءُ لُسْنٌ  
بكلِّ محلَّةٍ يَرْويه خَلْق   رُواةُ قصائدي ، فاعجبْ لشعرٍ  
أُنوفُ الأُسْدِ واضطَرم المَدَق   غَمزتُ إِباءَهم حتى تلظَّت  
أَبيٍّ من أُمَيَّةَ فيه عِتْق   وضجَّ من الشكيمةِ كلُّ حُرٍّ  
  ****    
على سَمْعِ الوليِّ بما يَشُقُّ   لحاها اللهُ أَنباءً توالتْ  
ويُجْمِلُها إلى الآفاق بَرْقُ   يُفصِّلها إلى الدنيا بَرِيدٌ  
تخال من الخُرافةِ وهْيَ صِدْق   تكادُ لروعةِ الأحداثِ فيها  
وقيل : أصابها تلفٌ وحَرق   وقيل : معالمُ التاريخ دُكَّت  
ومُرْضِعَةُ الأُبوَّة لا تُعَق   ألستِ ـ دِمَشقُ ـ للإسلام ظِئْراً  
ولم يُوسَم بأَزين منه فَرْق   صلاحُ الدين ؛ تاجُك لم يُجَمَّل  
لها من سَرْحِكِ العُلْوِيِّ عِرْق   وكلُّ حضارةٍ في الأرض طالتْ  
وأَرضُكِ من حلى التاريخ رق   سماؤكِ من حُلى الماضي كِتابٌ  
غُبارُ حضارتَيْه لا يُشَقُّ   بَنَيْتِ الدولة الكبرى ومُلكاً  
بشائرُهُ بأندلُسٍ تدَق   له بالشامِ أَعلامٌ وعُرْسٌ  
  ****    
أَحقٌّ أَنها دَرَستْ ؟ أَحَقُّ ؟   رباعُ الخلدِ ـ وَيْحَكِ ـ ما دَهاها ؟  
وهل لنعيمهن كأَمسِ نَسْقُ   وهل غُرَفُ الجِنانِ مُنضَّداتٌ  
مُهَتَّكَةٍ ، وأَستارٍ تُشَقُّ   وأين دُمى المقاصِر من حِجالٍ  

وخَلف الأيكِ أَفراخٌ تُزَقُّ

  بَرزْنَ وفي نواحي الأَيْكِ نارٌ  
أَتتْ من دونه للموت طُرْق   إِذا رُمْنَ السلامةَ من طريق  
وراءَ سمائِه خَطْفٌ ، وصَعْقُ   بلَيْلٍ للقذائفِ والمنايا  
على جنباتِه ، واسودَّ أُفْق   إِذا عصفَ الحديدُ ؛ احْمَرَّ أُفقٌ  
أَبين فؤادِه والصخرِ فَرْق ؟   سَلي مَنْ راعَ غِيدَك بعدَ وَهنٍ  
قلوبٌ كالحجارةِ ، لا تَرِقُّ   وللمستعمرين ـ وإِن أَلانوا ـ  
أَخو حربٍ ، به صَلَفٌ ، وحُمق   رماكِ بطَيْشه ، ورمى فرنسا  
يقول : عصابةٌ خرجوا وشَقُّوا   إِذا ما جاءَه طُلاَّبُ حَقٍّ  
وتعلم أَنه نورٌ وحَقُّ   دَمُ الثُّوارِ تعرفُه فرنسا  
كمُنْهَلِّ السماء ، وفيه رزقُ   جرى في أرضِها ، فيه حياةٌ  
وزالوا دونَ قومِهمُ ليبقوا   بلادٌ مات فِتْيَتها لِتحيا  
فكيف على قَناها تُسْتَرَق ؟   وحُرِرت الشعوبُ على قَناها  
وأَلقُوا عنكُم الأَحلامَ ، ألقوا   بني سوريَّةَ ، اطَّرِحوا الأَماني  
بأَلقاب الإِمارة وهْيَ رِقُّ   فمِنْ خِدَعِ السياسة أَن تُغَرُّوا  
كما مالت من المصلوب عُنْق   وكم صَيَد بدا لك من ذليل  
ولا يمضي لمختلفين فَتْقُ   فُتُوق الملكِ تَحْدُثُ ثُمَّ تمضي  
ولكن كلُّنا في الهمِّ شرق   نَصَحْتُ ونحن مُختلفون داراً  
بيانٌ غيرُ مختلفِ ونُطْقُ   ويجمعنا إِذا اختلفتْ بلادٌ  
فإِن رمْتم نعيمَ الدهر فاشْقوا   وقفتم بين موتٍ أَو حياةٍ  
يَدٌ سلقتْ وديْنٌ مُستحِق   وللأَوطانِ في دَمِ كلِّ حُرٍّ  
إِذا الأَحرارُ لم يُسقوا ويَسقوا ؟   ومن يَسقي ويَشربُ بالمنايا  
ولا يُدني الحقوقَ ولا يُحِقُّ   ولا يبنى الممالكَ كالضحايا  
وفي الأسرى فِدًى لهُمو وعِتْقُ   ففي القتلى لأَجيالٍ حياةٌ  
بكلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ   وللحريةِ الحمراءِ بابٌ  
وعزُّ الشرق أَوَّلُهُ دِمَشْقُ   جزاكم ذو الجلالِ بني دِمَشقٍ  
وكلُّ أَخٍ بنصرِ أَخيه حَقُّ   نصرتم يومَ مِحنتهِ أَخاكم  
وإِن أُخِذوا بما لم يَستحِقوا   وما كان الدُّروزُ قَبيل شرٍّ  
كينبوعِ الصَّفا خَشُنوا ورَقُّوا   ولكنْ ذادَةٌ ، وقُراةَ ضيفٍ  
موارد في السحاب الجونِ بُلقُ   لهم جبلٌ أَشمُّ له شعافٌ  
نِضالٌ دونَ غايته ورَشْق   لكلِّ لبوءَةٍ ، ولكلِّ شِبْلٍ  
فكلُّ جِهاتِه شرفٌ وخلْق   كأَن مِن السَّمَوأَلِ فيه شيئاً  
  ****    
 


Poésie arabe (الشعر العربي)
Page créée par Dr Aly Abbara

aly-abbara.com
avicenne.info
mille-et-une-nuits.com
Paris / France